شجرة لا يسقط ورقها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخرج الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها. وهي مثل المسلم. حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي. ووقع في قلبي أنها النخلة قال عبدالله: فاستحييت أن أقول ذلك!!
فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "هي النخلة".
قال عبدالله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي. فقال: لأن تكون قلتها لكان أحب إليّ من أن يكون لي كذا وكذا".
وقد ذكر شراح هذا الحديث الشريف. أن لهذا الحديث مناسبة لطيفة ملخصها: "أن أحد الصحابة أهدي إلي النبي صلي الله عليه وسلم قطعة من الجمار والجمار ما يؤخذ من رءوس النخيل بعد قطعها فأكل النبي صلي الله عليه وسلم من هذه الهدية. وأعطي الجالسين فأكلوا.
وكان من الأساليب الحكيمة التي سلكها النبي صلي الله عليه وسلم في تعليم أصحابه وفي تربيتهم: أسلوب التشويق الذي يحمل السامع علي التفكير والتدبر والتأمل. وهذا الأسلوب من ألوانه: أن يسوق المعلم لتلاميذه ما يريد أن يهديهم إليه في أسلوب السؤال والجواب وهذا ما فعله صلي الله عليه وسلم مع أصحابه. فهو لم يقل لهم من أول الأمر: إن الشجرة التي أكلتم شيئاً من قلبها وهي النخلة هي مثل المسلم. وإنما سألهم هذا السؤال فقال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم. حدثوني ما هي؟
فأخذ الجالسون معه صلي الله عليه وسلم يقولون له: يا رسول الله إنها شجرة كذا. والرسول ساكت. وحين لم يؤيدهم صلي الله عليه وسلم في أقوالهم قالوا له: أخبرنا عنها يا رسول الله. فقال: إنها النخلة.
ولعل مما جعل الجالسين لم يفطنوا إلي ما يقصده صلي الله عليه وسلم. أنهم لم تجر عادتهم بتسمية النخلة باسم الشجرة.
لكن سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أحس أن الرسول صلي الله عليه وسلم يقصد النخلة. لأن المقام وهو أكل الجمار يشير إلي ذلك. وكاد رضي الله عنه أن يقول: "يا رسول الله. لعلك تقصد النخلة. إلا أن حياءه منعه من ذلك. فقد كان الذين في المجلس جميعهم أكبر منه سناً. ومن بينهم: أبوه. وأبوبكر. وغيرهما.
فلما انتهي المجلس. وانصرف عبدالله مع أبيه قال له: لقد وقع في قلبي أن الرسول صلي الله عليه وسلم يقصد النخلة. فقال له أبوه: ولماذا لم تتكلم؟ فقال له: كيف أتكلم وأنا أصغر القوم؟ فقال له كما جاء في بعض الروايات: لو قلت ذلك لكان أحب إلي من حمر النعم.
أي: لكان قولك بأنها النخلة. أحب إليّ من أعز أموال العرب. وهي الإبل الأصلية ذات اللون الضارب إلي الحمرة.
وقد يسأل سائل فيقول: وما وجه الشبه بين المسلم والنخلة. أو بين النخلة والمسلم؟
وللإجابة علي هذا التساؤل نقول: ما أكثر وجوه الشبه بين المسلم وبين النخلة. ومنها:
أ- أن كل شيء في النخلة نافعة. فثمارها نافعة. وجريدها نافع. وليفها نافع. وجذوعها نافعة. والنوي الذي يخرج من ثمرها نافع.
وهكذا يجب أن يكون المسلم: ينفع ولا يضر. يجمع ولا يفرق. يصلح ولا يفسد. يبني ولا يهدم. يعمر ولا يخرب. إن تكلم نطق بما يفيد. وإن عمل كان عمله صالحاً. وإن سكت كان سكوته عن اللغو الذي لا فائدة من النطق به.
ب- ومنها: أن النخلة نافعة في حياتها وبعد قطعها. فهي في حال وجودها ينتفع الناس بثمارها وبجريدها وبظلالها.. وبعد قطعها أيضا ينتفع الناس بها. ولن تري شيئا من أصولها أو فروعها إلا وفيه شيء ينفع الناس.
وهكذا يجب أن يكون شأن المسلم: كله خير وبركة في حياته وبعد مماته. لا لذاته فقط بل لذاته ولأسرته ولأمته.
إنه في حياته يعطي أكثر مما يأخذ. ويؤدي ما عليه من واجبات قبل أن يطالب بما له من حقوق.
وأما بعد مماته. فهو يترك السيرة الحميدة. والذكر الحسن. والهدي الصالح. والعلم النافع والأثر الطيب. وفي الحديث الشريف. "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له".
ج- ومن وجوه الشبه بين المسلم والنخلة: أن النخلة قليلة الأخذ كثيرة العطاء. إنها لا تكلف صاحبها إلا قليلا من الجهد في مطلع حياتها. ثم بعد ذلك تستقل بنفسها. وتقدم الكثير من الثمار التي فيها من الخير ما فيها.
وهكذا يجب أن يكون سلوك المسلم الصادق في إسلامه: أنه يتعفف .إنه مأمول خيره ونفعه. ومأمون شره وضره.
د- ومنها أن النخلة فيها صلابة واستقامة. وفيها قوة ومتانة. فيها ثمار تنفع الناس. وفيها شوك يؤلم المعتدين. وهكذا يجب أن يكون واقع المسلم الحق: يجب أن يكون قوياً في دينه. وأن يكون ثابتاً في عقيدته وفي يقينه.
دمتم برعاية الله
منقول