بكيتُ على الشباب بدمع عيني ***فلم يُغن البكاءُ ولا النَّحيبُ
فيا أسفا اسفت على شبابٍ ***نعاه الشَيبُ والرأسُ الخضيبُ
عريت من الشباب وكان غضاً ***كما يعرى من الورق القضيبُ
فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً ***فأخبرهُ بما صنع المشيبُ
الهجوم المتعدد
لدوا للموت وابنوا للخراب ***فكلكم يصير الى ذهاب
لمن نبني ونحن الى تراب ***نصير كما خلقنا من تراب
ألا ياموت لم أر منك بداً ***أبيت فلا تحيف ولا تحابي(1)
كأنك قد هجمت على مشيبي ***كما هجم المشيب على شبابي
الآتي قريب
نعى عند ظلَّ الشباب المشيبُ ***ونادتك باسم سواك الخطوبُ
فكن مستعداً لداعي المنون ***فكل الذي هو آت قريبُ
وقبلك داوى الطبيبُ المريضَ ***فعاش المريض ومات الطبيبُ
الموت لا يلعب
أنلهُو وأيامنا تذهبُ *** ونلعبُ والموتُ لا يلعبُ
عجبت لذي لعب قد لها *** عجبت وما لي لا أعجبُ
أيلهو ويلعب من نفسه *** تموتُ ومنزلهُ يخربُ
نرى كل ما ساءنا دائباً *** على كل ماسرنا يغلبُ(2)
نرى الخلق في طبقات البلى *** إذا ما هُم صعدوا صوبوا(3)
نرى الليل يطلبنا والنهار *** ولم ندر أيهما اطلبُ
أحاط الجديدان جمعاً بنا ***فليس لنا عنهما مهربُ(4)
وكل له مدة تنقضي ***وكل له أثر يكتبُ
وما زلت تجري بك الحادثات ***فتسلم منهن أو تنكبُ
ستُعطى وتُسلبُ حتى تكو *** ن نفسُك آخر ما يُسلبُ
رهن أمر لم يفت!!
وعظتك أجداث خُفتْ *** فيهن أجساد سُبُتْ(5)
وتكلمت لك بالبلى *** منهن ألسنة صُمتُ
وأرتك قبرك في القبو *** روأنت حيٌ لم تمت
وكأنني بك عن قر *** يب رهن حتف لم يفت(6)
القلوب قروح
خانك الطرف الطموح ***أيها القلب الجموح
لدواعي الخير والشر *** دنو ونزوح(7)
هل لمطلوب بذنب *** توبة منه نصوح
كيف إصلاح قلوب *** إنما هن قروح(
أحسن الله بنا أن *** الخطايا لا تفوح
فإذا المستور منا *** بين ثوبيه فضوح
كم رأينا من عزيز *** طويت عنه الكشوح
صاح منه برحيل *** صائح الدهر الصدوح
موت بعض الناس في الأر *** ض على بعض فتوح
سيصير المرء يوماً *** جسداً ما فيه روح
بين عيني كل حي *** علم الموت يلوح
كلنا في غفلة والـ ***موت يغدوويروح
لبني الدنيا من الدنـ *** يا غبوق وصبوح(9)
رحن في الوشي واصبحـ ***ـن عليهن المسوح(10)
كل نطاح من الدهـ ***ـر له يوم نطوح
نح على نفسك يامسـ ***ـكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمـ ***ـرت ما عمر نوح
الله واحد
ألا إننا كلنا بائد *** وأي بني آدم خالد
وبدؤهم كان من ربهم *** وكل الى ربه عائد
فيا عجباً كيف يعصى الإ اله ***أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة *** علينا وتسكينة شاهد
وفي كل شيء له آيةٍ *** تدل على أنه واحد
الجديدان
ماللجديدين لايبلى اختلافهما *** وكل غضٍ جديد فيهما بال
يامن سلا عن حبيب بعد ميتته *** كم بعد موتك أيضاً عنك من سال(11)
كأنَّ كل نعيم أنت ذائقه *** من لذة العيش يحكي لمعة الآل(12)
لاتلعبن بك الدنيا وأنت ترى *** ماشئت من عبر فيها وأمثال
ماحيلة الموت إلاَّ كل صالحة ***أولا فما حيلة فيه لمحتال
نصح أبي العتاهية
رغيف خبز يابس *** تأكله في زاويه
وكوز ماء بارد *** تشربه من صافيه
وغرفة ضيقة *** نفسك فيها خاليه
أو مسجد بمعزل *** عن الورى في ناحيه
تدرس فيه دفتراً *** مستنداً لساريه
معتبراً بمن مضى *** من القرون الخاليه
خير من الساعات في *** فيء القصور العاليه
تعقبها عقوبة *** تصلى بنار حاميه
فهذه وصيتي *** مخبرة بحاليه
طوبى لمن يسمعها *** تلك لعمري كافيه
فاسمع لنصح مشفق *** يدعى أبا العتاهيه
يوم المطلع
إنما الدنيا متاع زائل *** فاقتصد فيه وخذ منه ودع
عجب للدهر كم من أمم *** قد أباد الدهر والدهر جذع
ياأخا الميت الذي شيعه *** فحثا الترب عليه ورجع
ليت شعري ماتزودت من *** الزاد فيا هذا ليوم المطلع
شهوةُ ساعة
الحرص داء قد اضر *** بمن ترى إلا قليلاً
أيا باني الدنيا لغيرك تبتني *** ويا جامع الدنيا لغيرك تجمع
أرى المرء وثابا على كل فرصة *** وللمرء يوماً لامحالة مصرع
تبارك من لايملك الملك غيره *** متى تنقضي حاجات من ليس يشبع
وأي امرئ في غاية ليس نفسه *** إلى غاية اخرى سواها تطلَّع
يوم تكون القلوب على المقالي
هب الدنيا تساق اليك عفواً *** أليس مصير ذلك للزوال
نعى نفسي إليَّ من الليالي *** تصرفهن حالاً بعد حال
فما لي لست مشغولاً بنفسي *** وما لي لا أخاف الموت مالي
أما في السالفين لي اعتبار *** وما لاقوه لم يخطر ببالي
كأني بالمنية أرغمتني *** ونعشي بين أربعة عجال
وخلفي نسوة يبكين بعدي ***كأن قلوبهن على المقالي
وحقك كل ذا يفنى سريعاً *** ولا شيء يدوم مع الليالي
عين الله و «رضا الله»
فيا من بات ينمو بالخطايا *** وعين الله ساهرة تراه
أما تخشى من الديان طرداً *** بجرم دائماً أبداً تراه
أتنسى الله وهو يراك جهراً *** وتنسى في غدٍ حقاً تراه
وتخلو بالمعاصي وهو دان *** إليك وليس تخشى من لقاه
وتنكر فعلها ولها شهود *** بمكتوب عليك وقد حواه
فيا حزن المسيء لشؤم ذنب *** وبعد الحزن يكفيه حماه
كم من عزيز قد رأيت *** الحرص صيره ذليلا
فتجنب الشهوات واحذر *** أن تكون لها قتيلا
فلرب شهوة ساعه *** قد اورثتحزناً طويلا
اعظم النفع
حتى متى يستفزني الطمع *** أليس لي بالكفاف متسع
ما أفضل الصبر والقناعة *** للناس جميعاً لو أنهم قنعوا
وأخدع الليل والنهار لأقوام *** أراهم في الغي قد رتعوا(13)
لله در الدنيا فقد لعبت *** قبلي بقوم فما ترى صنعوا
وكان ما قدموا لأنفسهم *** اعظم نفعاً من الذي ودعوا
المعبر
واعجبا للناس لو فكروا *** وحاسبوا أنفسهم أبصروا
وعبروا الدنيا إلى غيرها *** فإنما الدنيا لهم معبر
الخير مما ليس يخفى هو *** المعروف والشر هو المنكر
والموعد الموت وما بعده *** الحشر فذاك الموعد الأكبر
لا فخر إلا فخر أهل التقى *** غداً إذا ضمهم المحشر
ليعلمن الناس أن التقى *** والبر كانا خير ما يدخر
غاية النفوس
عليكم سلام الله إني مودع *** وعيناي من مض التفرق تدمع
فإن نحن عشنا يجمع الله بيننا *** وإن نحن متنا فالقيامة تجمع
ألم تر ريب الدهر في كل ساعة *** له عارض فيه المنيّة تلمع
فيندب حسرة من بعد موت *** ويبكي حيث لا يجدي بكاه
يعض يديه من ندم وحزن *** ويندب حسرة ما قد عراه
فبادر بالصلاح وأنت حي *** لعلك ان تنال به رضاه
الهوامـــــش:
(1) الحيف: الجور والظلم،... المحاباة: اختصه ومال إليه، وحاباه في البيع ونحوه.
(2) دأب في عمله: جد وتعب، فهو دائب. والدائبان: الليل والنهار.
(3) صعّد فيه تصعيدا: أي انحدر، صوب: اصاب من الصواب، وهو ضد الخطأ.
(4) الجديدان: الليل والنهار.
(5) الأجداث: جمع جدث القبر، خفت: جمع خافت، وخفت الصوت: سكن، سُبت: جمع سابت، وسبت سباتا: نام: والمسبوت: الميت.
(6) الحتف: الموت، والجمع حتوف، ومات فلان حتف أنفه: اذا مات من غير قتل ولاضرب.
(7) النزوح: البعد.
(
القروح: جمع قرح، وهو الجرح.
(9) الغبوق: الشرب بالعشي، والصبوح: الشرب بالصباح.
(10) المسوح: جمع مسح، وهو الكساء من شعر، وثوب الراهب.
(11) سلا وسلا عنه: نسيه وطابت نفسه بعد فراقه.